حركة 20 فبراير والكشف عن المستور
1 ـ تقديم:
سجلت حركة 20 فبراير سنتها النضالية الأولى من أجل تحقيق الأهداف التي سطرتها منذ انطلاقتها في فبراير 2011. تلك الأهداف التي استمدتها من عمق معاناة الشعب المغربي لتصوغها وتكون رسالة لمن يهمه الأمر. وكم من جهة تريد لهذه الحركة التوقف أو التشتت أو الانقسام ،حتى يستريح النظام و من يدور في فلكه، من مسيراتها ومن تعبئتها للجماهير الشعبية بالمدن الكبرى و المتوسطة و الصغرى.وكم من حزب يرى في هذه الحركة العدو الرئيس لأنها تكشفت عن المستور . كما انتظر البعض زوال حركة 20 فبراير بعد انسحاب، كان في الحقيقة غير مفاجئ، لجماعة العدل والإحسان. وفي خضم الحديث عن هذه الحركة بعد الانتخابات التشريعية وتشكيل حكومة ابن كيران و انسحاب جماعة العدل. استنتج بعض الرفاق في بعض أحزاب اليسار، بأن الرابح من الحركة هو النظام و العدالة و التنمية.وصرح احد القياديين في الاتحاد الاشتراكي بأن الحركة عليها أن تغير من أسلوبها كي تستمر أو أنها ستنتهي.و هناك من انسحب منها على إثر خطاب 9 مارس 2011 معتبرا أن مهمة الحركة قد انتهت. لكن السؤال الذي يظل مطروحا هو من الرابح ومن الخاسر؟
هل حركة 20 فبراير؟أم النظام المخزني ؟ أم العدالة و التنمية؟
إن الجواب على هذه الأسئلة يتطلب منا :
1)ـ استحضار السياق التاريخي الذي نشأت في حركة 20 فبراير،
2 ) ـ حركة 20 فبراير و الفعل السياسي بالداخل و الخارج،
3) ـ حركة 20 فبراير و النظام بين الربح و الخسارة .
1 ـ السياق التاريخي
جاءت حركة 20 فبراير في ظرفية تاريخية متميزة من حيث امتداد الحراك الشعبي على المستوى العربي و الإسلامي وعلى المستوى الأوربي و الأمريكي. فالعالم الغربي و جد نفسه أمام أزمة مالية خانقة بفعل السياسة المالية المتبعة و بفعل شروط العولمة وتحرير السوق و رفع القيود عن نقل رؤوس الأموال،الشيء الذي ترتب عنه تسريح العمال و مراجعة الضرائب وسن سياسة التقشف، مما أشعل النار في أسعار المواد الاستهلاكية وحرك شوارع الدول الغربية مطالبة بإسقاط الأنماط الاقتصادية المتبعة.وقد بلغت حدة الأزمة أوجها في دول المتوسط (اليونان ،اسبانيا،فرنسا ،البرتغال ....). وعرف العالم العربي حركات احتجاجية جماهيرية من أجل الحرية و الكرامة و الديمقراطية و المساواة في مصر وفي تونس و البحرين و في الأردن و في اليمن وفي ليبيا.أدت هذه الحركات إلى رحيل الرئيس التونسي بن علي في 14 يناير 2011، تحت ضغط الشارع ،وبعد أقل من أسبوعين يتنازل الرئيس المصري حسني مبارك عن الحكم في 25 يناير 2011 .و تأتي نهاية أسطورة زعيم ثورة الفاتح شتنبر في أكتوبر 2011.وبهذا لم تعد نسبة نجاحهم في الرئاسة بنسبة 99 ,99 % تنفعهم في شيء. و المغرب عاش نفس الوضع من حيث الانحباس السياسي و ألأزمة الاجتماعية و الاقتصادية و تهميش الشباب .إذن تأتي حركة 20 فبراير في خضم حراك سياسي عارم تعرفه مجموعة من الأقطار للمطالبة بالحرية و بالكرامة و بالانعتاق و برحيل رموز الأنظمة الحاكمة و أحزابها المصطنعة . لم تكن حركة 20 فبراير حركة ظرفية أو محلية تتمركز في بعض المدن المغربية أو بعض القرى، بل هي حركة في كل المدن وفي عدد كبير من القرى.وهي تتفاعل مع الظرفية و متطلباتها الاقتصادية و الاجتماعية . وهي تسجل كل يوم توقيعا في سجل التاريخ الحديث. لم تكن حركة 20 فبراير حركة تخدم جهة من الجهات، في الداخل أو في الخارج، و إنما هي صوت مشروع للمطالب العادلة للشعب المغربي ومنها؛الديمقراطية الحقة ؛ محاربة الفساد و محاكة المفسدين ، الحرية و الكرامة ؛الشغل و التغطية الصحية و الاجتماعية .إن حركة 20 فبراير ركبت قافلة التغيير العربي و العالمي التي انطلقت في أواخر 2010 ولا زالت تشق طريقها بإصرار نحو الغد المنشود.
2 ـ حركة 20 فبراير و الفعل السياسي بالداخل و الخارج،
دأبت الأبواق المخزنية و الحكومية و بعض المنابر الإعلامية الممولة و المسخرة كعادتها على اعتماد التضليل والتزييف من اجل إخراج حركة 20 فبراير من دائرة الفعل السياسي في الداخل وفي الخارج ،ومن أجل عزلها عن الجماهير الشعبية ،و طمس مطالبها التي أصبحت مطالب الشعب المغربي و شبابه منذ عقود من الزمان. لكن الحركة استطاعت أن تنفذ إلى عمق الشعب المغربي من خلال مطالبها ، التي هي مطالب كل المغاربة الذين يعيشون الفقر و القهر و الاستغلال و التهميش و الإقصاء ، وهي مطالب كشفت عن المستور في النظام المغربي بتعرية رموزه الذين أصبحوا يشكلون أباطرة الفساد ونهب المال العام و الذين تسببوا في تخلف البلاد وفي فقرها. و لقد استطاعت حركة 20 فبراير أن تكشف للشعب و للعالم طبيعة النظام المغربي ، الاستبدادية والاديمقراطية ،حينما لجأ كعادته إلى القمع والتعذيب حتى القتل في صفوف شباب حركة 20 فبراير وفي صفوف المعطلين و في صفوف المطالبين بالحرية والكرامة من سكان القرى بالأطلس المتوسط والأحياء المهمشة في مدن الدار البيضاء و فاس و بني بعياش ...لقد بات خطاب حركة 20 فبراير يملأ الساحة السياسية في ربوع الوطن ، حتى أنها أصبحت حديث الساعة في المنتديات و في البيوت وفي الأوساط الإعلامية في الخارج و على الصعيد الوطني، كواقع سياسي برزت فيه هموم الشباب الذي ظل يعاني من الاحتكار السياسي ولاجتماعي و الاقتصادي. لقد خلخلت شعاراتها مجموعة من التواثب التي هي أركان السلطة المخزنية في البلاد ، ومنها البيعة و الهيبة و الطاعة و السلطة . و هي أركان لا تسمح للديمقراطية أن تتواجد. فمطالب الحركة بدستور ديمقراطي، يعطي للشعب الحق في تقرير مصيره السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي بنفسه، و يكون مصدر كل السلط ، كانت مزلزلة لهذه الثوابت و مفتاحا للجماهير المحرومة لتتحرك من أجل مطالبها المشروعة في القرى وفي المدن ، وتعلن تمردها على أدوات المخزن القمعية متحدية الإعدام الذي هو نطق المحاكم في المغرب، ضد رموز كفاح الشعب المغربي، وموجهة رسالة قوية إلى النظام و إلى العالم من خلال الاحتراق حتى الموت ، كما هو الشأن في عدة مدن مغربية ، في برشيد ، في قلعة السراغنة ، في ابن جرير و في الرباط . لقد دخلت حركة 20 فبراير القواميس السياسة و منتديات البحث الاجتماعي و السيكولوجي .لم تستطع الأقلام المأجورة و لا عباقرة البولميك السياسي أن يزحزحوا قافلة الحركة عن مسارها التاريخي و عن سكتها الانتفاضية ، لأنها تناضل ضد الفساد و ضد نهب المال العام والثروات الطبيعية و ضد الحكرة،وضع فرض نفسه على الشباب و الجماهير الشعبية كي تلجئأ إلى كل أشكال الاحتجاج و التعبير، و لن يحتج إلا من كان ضحية لهذا الوضع.و لن يفلح لوبي الفساد المخزني في كبح امتداد الحركة و تأثيراتها القوية في الساحة السياسية الوطنية و الجهوية ،لأنها ليست بشرقية و لا بغربية ، و ليست شمالية و لا جنوبية ، ولا عروبية ولا أمازيغية، و ليست عجمية و لا عربية ، وليست لائكيه و لا دينية ، وليست بسلفية و لا بجهادية ، بل هي حركة وطنية أصلها تابت في تربة الوطن ،الذي تنهش جسمه كلاب ضالة ،و امتدادها في عمق الشعب المغربي . و ستظل رافعة شعار التغيير حتى النصر. فهي تستمد شرعيتها النضالية من وطنيتها ومن جماهيريتها و من استقلاليتها و تقدميتها . ولأنها كذلك تجسد استمرار النضال للشعبي و حاملة مشعل انتفاضة مارس 1965 وانتفاضة حزيران 1981 ويناير 1984 ودجنبر 1990.
3 ـ حركة 20 فبراير والكشف عن المستور:
ـ كشفت الحركة عن التآمر السياسي الذي قاده المخزن من خلال هجومه على الحركة و شبابها وعلى كل من انخرط فيها أو دعمها. و كشفت للشعب عن حقيقة الأحزاب المخزنية أو التي تمخزنت بأنها تنوب عن النظام في تضليل الرأي العام و تشيد بديمقراطيته. و إنها لا تستطيع الاصطفاف إلى الجماهير في مطالبها، بل تفضل السكون إلى إسطبل المخزن هروبا من صوت الشعب ، و لا يتكلم قادتها إلا تحت الطلب المخزني صاحب نعمتها . كما كشفت عن نفسية النظام المتمثلة في الارتباك الذي أصابه أمام صوت الجماهير. لما صارع بخطاب 9 مارس، خطاب يوهم فيه الرأي العام الوطني و الدولي أنه على طريق الإصلاحات الديمقراطية بتعديل الدستور ،مستنجدا في التصويت عليه بأئمة المساجد و بالزوايا و الأضرحة و بالفرق الفلكلورية و ببلطجية من الخارجين عن القانون، حتى أنه فتح الباب للبناء العشوائي و احتلال الملك العمومي ، في المدن و القرى ،كرشوة مقابل التصويت على الدستور ، و مستعملا نفوذه المخزنية ، و ذلك كله خوفا من تأثير حركة 20 فبراير على الشعب. لقد كشفت عن حقيقة الإعلام المخزني و دوره في التضليل و الترويج للمغالطات، كما كشفت عن الأقلام المأجورة التي ظلت تمرر خطابات معادية لحقوق الإنسان و للوطن ،ومؤسسة لخطاب التطرف الذي هو مشروع آل الظواهري في تنظيم القاعدة .
4 ـ حركة 20 فبراير و النظام بين الربح و الخسارة.
استنتج البعض على إثر الانتخابات التشريعية و حصول حزب العدالة والتنمية على أغلبية نسبية في البرلمان، بأن الرابح من حركة 20 فبراير، هو النظام و العدالة والتنمية.قد يكون هذا الاستنتاج له مصداقيته في الدول الديمقراطية، حيث الممارسة الديمقراطية هي سلوك يومي و على جميع المستويات. لكن في بلادنا حيث الديمقراطية هي لفظ، يتلفظ به المسئولون والانتهازيون، فقط لتغليط الرأي العام الوطني و العالمي، لا بد من إخضاع كل نتيجة إلى القياس العلمي. فالحديث عن الربح و عن الخسارة يتطلب منا اعتماد المقاييس العلمية لتحديد قيمتيهما. فالربح أو الخسارة في عالم المال و الأعمال لهما علاقة بالرأسمال. فالربح هو قيمة العائد المالي من التداول، أي ما توفره قيمة تداول الرأسمال في الأسواق المالية و التجارية من قيمة مالية او تجارية إضافية فيرتفع الرأسمال يقيمه a و يصبح الرأسمال الجديد هو :X+a=Y . أما الخسارة فهي ما يصيب الرأسمال من تراجع بعد التداول أي X- b= X°.أما في عالم السياسة، فالرأسمال يتجلى في الرصيد البشري P ،بالإضافة إلى سجل الإنجازات السياسية R . ويمكن لهذا الرصيد البشري أن ينتقل منP إلى P+c، وينتقل الرصيد السياسي إلى R+d.ويمكن لهذين الرصيدين التراجع إلى P-c وإلى R-d. فما هو رأسمال حركة 20 فبراير ؟ و ما هو رأسمال النظام المخزني و العدالة و التنمية؟ فمن الرابح ومن الخاسر في خضم الحراك السياسي الذي قادته حركة 20 فبراير ؟ للمقارنة بين الرابح و الخاسر لا بد من تحديد نقطة الانطلاق أو نقطة البداية ب T0، التي بداية توظيف أو بداية "تداول" الرصيد السياسي للأطراف المعنية ، و نقطة التقييم بT1، التي هي تكوين الحكومة. فما هو رصيد الحركة الذي دخلت به المعركة ؟.
لم يكن للحركة رصيد بشري تربطه قوانين تنظيمية، أو كتلة بشرية تمثل قطاعا أو مجموعة من القطاعات لهم منطلقات و أهداف مشتركة.إذن فرصيدها البشري يقتصر، في مرحلة الانطلاق، على شباب اقتنع بضرورة الخروج من الانتظارية التي سيطرت على الشباب و التي كانت نتيجة سياسة النظام المخزني و تراجع اليسار لأسباب معروفة. أما رصيدها السياسي فإنه يتجلى في السجل النضالي الذي يحيل على ما راكمه الشباب المغربي من انتفاضات ضد النظام ، منذ الاستعمار و حتى بعد الاستقلال الشكلي، شباب ظل يحمل مشعل التغيير، و يصارع من أجل وطن ظل جريحا و لا يزال ،وطن ظل و لا يزال ينزف بفعل المستعمرين الجدد و المفسدين و عملاء الإمبريالية العالمية و الصهيونية . والذين جعلوا من هذا الوطن بقرا حلوبا،وجعلوا من أبنائه المشردين والفقراء و المهمشين والغرباء في وطنهم. هو شباب صارع حتى الاستشهاد دون أن ينعم بطعم الحرية و لا الكرامة. فما هو الرصيد البشري و السياسي للنظام في بداية الحركة؟. إن رصيده على المستوى البشري، هو ما لا يقل على 30 مليونا من السكان، أما رصيده السياسي فهو ما ظل مبنيا على الاستبداد و الاغتيالات و الاختطافات و التزوير و التزييف والتحكم و السلطة و البيعة و الهيبة و إمارة المؤمنين.
بعد هذه المقاربة علينا الوقوف على الربح و الخسارة لكليهما ، أي النظام و حركة 20 فبراير بعد تشكيل حكومة بتكيران.لقد انتقل رصيد الحركة البشري من رقم المئات إلى رقم المئات الآلاف بل إلى الملايين في فترة و جيزة .لقد حققت مقاطعة الدستور بنسبة ما يناهز 50% و خسر النظام 50 % . فعلى هذا المستوى ربحت الحركة و خسر النظام و أحزابه و زواياه ،و خسرت العدالة والتنمية التي ظل أمينها العام في الحملة الاستفتاء يحسن الرقص على إيقاع "الستاتي " و "الداودية". وفي الانتخابات التشريعية سجلت المقاطعة التي دعت إليها الحركة و الأحزاب المقاطعة نسبة 60 % فكانت خسارة النظام و أحزابه بنسبة 60 % من الكتلة الناخبة.إن هذه النسب تبين من الرابح ومن الخاسر ، هل الحركة و الداعمين لها من أحزاب اليسار ؟ أم النظام و أحزابه الإدارية و امتمخزنة؟ أما العدالة و التنمية فإن خسارتها تتجلى في كونها تحولت إلى فرس يركبه النظام حتى تهدأ العاصفة ، عاصفة الحراك السياسي، الذي تؤججه حركة 20 فبراير. إن تحامل عدة جهات على هذه الحركة بأنها تراجعت من حيث الكم ،بعد انسحاب جماعة العجل و الإحسان،هو من اجل التأثير على الجماهير الشعبية كي تنسحب من أي حراك سياسي ،حتى ينعم النظام و حكومته بالهدوء و الراحة.فالمتتبعون في الداخل و في الخارج يرون بأن الربيع العربي لم ينته في مصر و لا في تونس و في ليبيا و لا في اليمن و كذلك في المغرب،لأن كل حركة شعبية تخضع إلى قاعدة المد و الجزر ،مما يجعلها مستمرة حتى بلوغ المبتغى .وإن حركة 20 فبراير في المغرب تخضع لنفس القاعدة العلمية .فليعلم أعدائها بأنها ستستمر مادامت مطالبها لم تتحقق .
ألبدالي صافي الدين